توقيف أمين أبوراشد في هولندا .. الأبعاد والمآرب
عبدالسلام فايز / جنوب هولندا
على بُعد 2 كم فقط من مكان احتجاز الناشط الفلسطيني أمين أبوراشد جنوب هولندا، أكتب هذا المقال في واحدة من أبرز الشخصيات الفلسطينية الفاعلة في هولندا، والتي لم أتوقع يوماً أن تكون قابعة خلف القضبان الهولندية بِحُكم العلاقة المتينة التي تربط بين الطرفين .
أمين أبوراشد كما يسمّيه الإعلام ، أو الحاج أبوإبراهيم كما نسميه نحنُ أصدقاءه في هولندا ، والذي تُواصل السلطات الهولندية توقيفه منذ 25 حزيران يونيو على الرغم من إقامته في البلد الأوروبي منذ أكثر من ثلاثة عقود، ولذلك أثارت قضية توقيفه جدلا واسع النطاق على المستوى الفلسطيني داخل هولندا وخارجها ..
قضية توقيف الرجل أثارت حفيظة الفلسطينيين وكل المناصرين للحقوق الفلسطينية المشروعة الذين لازمهم أبوراشد خلال مسيرة ممتدة في الزمان والمكان، والذين رأوا أن قضية الاعتقال لها ثلاثة أبعاد :
البُعد الأول هو البُعد القانوني، حيث أن المحامي الهولندي الخاص بالقضية عقد مؤتمرا صحفيا في مدينة روتردام الهولندية، وأفاد أن الاتهامات الموجّهة لأمين أبوراشد باطلة جُملةً وتفصيلا ولا أساس لها من الصحة، بل تستند بمجملها إلى تقديرات وتقارير كيدية خارجية، في إشارة واضحة إلى دولة الاحتلال الإسرائيلية وأذرعها الأمنية الممتدة خارج جغرافية الوطن، حيث عمد الموساد الإسرائيلي على استهداف النشطاء الفلسطينيين البارزين في الساحة الأوروبية بهدف تشويه سمعتهم والتقليل من حاضنتهم الشعبية، بعدما فضحوا جرائمه وممارساته العدوانية بحق الشعب الفلسطيني في الداخل والمهجر، وحرّضوا على استمرار المطالبة بالحقوق المشروعة التي كفلتها القوانين الدولية، وفي مقدمتها حق العودة المقدّس الذي بات يشكل كابوساً مرعبا للاحتلال وأتباعه في أوروبا بعدما ظنوا أن الفلسطينيين في أوروبا تنازلوا عن هذا الحق أمام بُعدهم الجغرافي عن فلسطين وانشغالهم بحياتهم الجديدة في البلدان الأوروبية .
بُطلان هذه المزاعم والتهم التي سِيقت ضد أمين أبوراشد، جعل القضاء الهولندي يظهر بمشهد المُستباح من قبل الاستخبارات الإسرائيلية التي سخّرت ماكينتها الإعلامية للتحريض ضد الرجل، خاصةً بعد نجاحه المميّز في رئاسة النسخة العشرين لمؤتمر فلسطينيي أوروبا التي انعقدت نهاية شهر أيار الماضي في مدينة مالمو السويدية ، والتي أثارت جنون اللوبي الإسرائيلي على أعلى المستويات، ولهذا ذهب باتجاه إلصاق التهم المُغلّفة والجاهزة ضد أمين أبوراشد بهدف تعطيل المؤتمر ، حيث وصل التحدي بين الفلسطينيين وبينهم قُبيل انعقاد المؤتمر إلى درجة : إمّا أن ينعقد المؤتمر ونكون نحن، وإما أن يُلغى المؤتمر ويكونون هم ، ولكنّ المؤتمر عُقد رغم أنوفهم ممّا جعلهم يكيدون برئيسه كيداً، وصولاً إلى اعتقاله من طرف السلطات الهولندية التي أنصتت وللأسف الشديد للمزاعم الكاذبة ضد الرجل ، رغم أن عمله الإغاثي تمّ بالتواصل والتسهيلات من الحكومات الهولندية المُتعاقبة منذ عقود .
البُعد الثاني هو البُعد الإنساني، حيث إن أمين أبوراشد يُعاني من وضع إنساني خاص جداً، وهو من ذوي الإعاقة الجسدية إذ أنه مبتور اليد، ويعاني من أمراض أخرى تتطلب النظر للقضية بعين الإنسانية ، وهذا ما قاله الناشط الهولندي أوسكار ، وزوجة أمين الأخت أم إبراهيم خلال المؤتمر الصحفي بروتردام، حيث أفادا أن السلطات الهولندية لم تنصت لنداءات الاستغاثة مع إمكانية مواصلة إجراءات المحكمة من المنزل، على ضوء تراجع الوضع الصحي للرجل داخل مُحتجزه جنوب هولندا الذي يبعد مسافة 3 ساعات عن مكان إقامة عائلته، وهذا ما زاد من تفاقم المعاناة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا : كيف يمكن لأمين أبوراشد أن يعمل في المجال الإغاثي لعقود في هولندا لو لم يكن عمله قانونياً بامتياز ؟! وكيف يمكن له تسيير قوافل إغاثية ضخمة باتجاه مخيمات الشتات في لبنان وسورية والجنوب التركي وقطاع غزة المحاصر لو لم تكن تلك القوافل تجري تحت أنظار الدول الأوروبية ؟ وهل سيّر أبوراشد قوافل الإغاثة في الخفاء أم تحت الشمس وفوق الطاولة وبمشاركة ناشطين هولنديين و بمباركة وتسهيلات من الحكومات الهولندية والأوروبية الذين يعرفهم الرجل ويعرفونه ، وتربطهم به علاقات وثيقة إلى حدٍّ بعيد ؟؟ كيف يكون المرء قانونياً و مُحتالا على القانون في الوقت نفسه ؟؟
البُعد الثالث هو البُعد السياسي ، فالغاية من كل هذه التحديات هو إيقاف العمل الفلسطيني في أوروبا أو التقليل منه ، وهذا لن يحدث طالما أن المؤسسات الفلسطينية تعمل في هولندا وعموم القارة الأوروبية تحت سقف الأنظمة والضوابط والقوانين، في حين أن مخالفة القانون تأتي من طرف اللوبي الإسرائيلي وأذرعه حينما يتجسسون عليهم و يرسلون الجواسيس إلى مكاتب النشطاء ليخترقوا خصوصياتهم دون حسيب أو رقيب، وهذا عهدنا بهم أنهم لا يحترمون قانوناً ولا حليفاً ولا اتفاقية، بل يتصرفون فوق القانون بعدما عوّدهم المجتمع الدولي على صمته المُطبق أمام جرائمهم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني في أكثر من مناسبة.
وفي النهاية بقيَ أن أوجّه نصيحة لأولئك الشامتين بتوقيف أمين أبوراشد من أبناء جلدتنا ، الذين كتبوا على صفحاتهم ما كتبه الإعلام الإسرائيلي وعبّروا عن شماتتهم الواضحة ، لهؤلاء أقول : لا تكونوا كالببغاوات التي تردد القيل والقال ، وإذا لم تجدوا بُدّاً من أن تكونوا ببغاوات فَكُونوا .. لا ضير .. ولكنْ ليس تحت حراب الاحتلال ..