الموتى الصامتون في غزة: نقص الغذاء والماء والرعاية الصحية
الموتى الصامتون في غزة: نقص الغذاء والماء والرعاية الصحية
الهولندية: NOS
تقول المرأة الفلسطينية سندس حمادة وهي تجلس مع ابنها محمد البالغ من العمر 5 سنوات في إحدى العيادات الصحية في شمال غزة: “أريد فقط أن أرى ابني يتمتع بصحة جيدة مرة أخرى، ولا ينبغي لأي أم أن ترى طفلها يعاني بهذه الطريقة”.
يعاني محمد من اضطراب أيضي نادر، قبل بداية الحرب، كانت حالة محمد قابلة للعلاج بسهولة، كان لديه الدواء المناسب والعلاج الطبيعي ونظام غذائي خاص، وبسبب الدمار الذي لحق بغزة، لم يعد بإمكانه الحصول على هذه الرعاية.
لقد فقد الصبي خمسة كيلوغرامات، ويعاني من نوبات منتظمة ولم يعد قادراً على المشي، ويبقى أن نرى ما إذا كانت والدة محمد ستتمكن من الحصول على الدواء والغذاء في الوقت المناسب قبل أن يموت متأثرا بحالته.
“المشكلة الأكبر في كل صراع”
محمد هو أحد الضحايا غير المباشرين للحرب، لم يصب بأذى من عنف الحرب، بل من عواقب أخرى للحرب.
وفقا لمقالة نشرت مؤخرا في مجلة “لانسيت” الطبية، فإن عدد قتلى الحرب في قطاع غزة قد يصل إلى أكثر من 186 ألف شخص، ويشمل هذا التقدير الأشخاص الذين قتلوا بسبب الحرب وأولئك الذين ما زالوا مدفونين تحت الأنقاض، بالإضافة إلى الوفيات غير المباشرة: يموت سكان غزة بسبب نقص الغذاء والمياه، وسوء النظافة والأمراض السريعة الانتشار.
ويقول الباحثون إن تقديرات 186 ألف حالة وفاة منخفضة، ووفقا لهم، فإن عدد الوفيات غير المباشرة في الصراعات يتراوح بين ثلاثة إلى خمسة عشر مرة أكبر من عدد الوفيات المباشرة.
وفي حالة غزة، اختارت مجلة لانسيت تقديرا متحفظا: أربعة أضعاف عدد الوفيات المباشرة، وهذا يبلغ الآن أكثر من 40،000.
وقالت ثيا هيلهورست، أستاذة الدراسات الإنسانية، إن “الوفيات غير المباشرة هي أكبر مشكلة في أي صراع، لكن الوضع الإنساني في غزة سيء للغاية حتى بالنسبة لمنطقة الصراع لعدة أسباب، وبالتالي فإن عدد الوفيات غير المباشرة ربما يكون أعلى”.
ويرجع ذلك جزئيًا إلى انهيار نظام النفايات في غزة. ونشرت منظمة السلام باكس تقريرا عن أزمة النفايات الشهر الماضي، وأظهرت صور الأقمار الصناعية أن مئات الآلاف من الأطنان من القمامة تتراكم في أكثر من 225 مكانا.
الكوليرا والأمراض الجلدية
إن العواقب على صحة الناس في غزة خطيرة: فالنفايات تجذب الحشرات، مما يؤدي إلى تسريع انتشار الأمراض مثل الكوليرا والأمراض الجلدية.
منذ بداية الحرب، أصيب 150 ألف فلسطيني بمرض جلدي، بحسب منظمة الصحة العالمية.
في الحالات الطبيعية، من السهل علاج الأمراض الجلدية، ولكن ليس في غزة، كما يقول نائب مدير منظمة المساعدة الطبية للفلسطينيين من خان يونس محمد الخطيب: “يحتاج الأشخاص المصابون بأمراض جلدية إلى أن يكونوا قادرين على غسل أنفسهم، ولكن الوصول إلى المياه النظيفة في غزة محدود للغاية، لقد تم تدمير نظام الصرف الصحي، وهذا، بالإضافة إلى النفايات ودرجات الحرارة المرتفعة، يجعل من المستحيل مكافحة الأمراض المعدية”.
ولم يقتصر الأمر على أن الحصول على المياه النظيفة محدود، بل إن الغذاء لم يعد متاحًا للجميع أيضًا، ويعيش الآن 22% من السكان في حالة انعدام الأمن الغذائي الحاد. وهذا يؤثر بشدة على الرضع والأطفال الصغار، مثل محمد، ويموتون بسرعة أكبر بسبب سوء التغذية والجفاف.
أضعف وأكثر عرضة للإصابة
لكن انعدام الأمن الغذائي يشكل أيضًا تحديًا للفلسطينيين البالغين، على أقل تقدير، يقول البروفيسور هيلهورست: “الناس لا يموتون من الجوع، إنهم يموتون بسبب نوبة قلبية، أو من الالتهاب الرئوي، ولكن ما الذي يسبب إصابتهم بالالتهاب الرئوي؟ لأنهم ضعفاء بالفعل ولا يستطيعون الذهاب إلى المستشفى، لا يمكن لأحد أن يستريح في المنزل، السبب المباشر للوفاة هو شيء “طبيعي، ولكن الظروف هي التي تسبب ذلك”.
ولا يزال 16 مستشفى فقط من أصل 36 مستشفى في غزة مفتوحًا جزئيًا، كما أن الأمراض الغير مرتبطة بالحرب، مثل السرطان، لم تعد تُعالج إلا بصعوبة، ويبدو أن الحل بعيد المنال.
يقول هيلهورست: “الحل هو أن تلتزم إسرائيل بقانون الحرب الدولي، لكن الجوع يُستخدم كسلاح حرب ويبدو أن المستشفيات هدف مباشر، وطالما أنه لم يتم فرض عقوبات على ذلك، فلن تتحسن الأمور”.
وبالتالي فإن مستقبل محمد لا يزال غير مؤكد، تقول والدته: “أرى ابني يزداد مرضه أمامي ولا أستطيع فعل أي شيء، آمل أن تنتهي الحرب قريبًا وأن أتمكن من الاعتناء به مرة أخرى”.