فلسطين حاضرة في أوروبا سياسياً و إعلاميّاً
بقلم: عبدالسلام فايز
شهدَ الموقف الأوروبي من القضية الفلسطينية خلال السنوات الأخيرة الماضية تقدّماً إيجابياً ملحوظاً ، سواء كان ذلك على مستوى المسؤولين السياسيين أم على مستوى المجتمع المدني .
فالفلسطينيون الذين يقيمون في القارة الأوروبية منذ عقود ، قالوا بأنّ هناك فرقاً شاسعاً بين نظرة الأوروبيين للقضية الفلسطينية سابقاً ، و نظرتهم اليوم ، ففيما سلف ، كانت الرواية الإسرائيلية هي السائدة في الأوساط الأوروبية ، و هي المصدّقة التي لا نظير لها ، و لم يكن لفلسطين ذلك الحضور الكافي أوروبياً ، أمّا اليوم ، فالأمر على النقيض تماماً بعدما أصبح الخبر الفلسطيني منتظراً في أوروبا ، و أصبحت الراوية الفلسطينية منافساً قويّاً للرواية الإسرائيلية ، حيث تزايد عدد المناصرين للحق الفلسطيني ، و كُشِفت إسرائيل على حقيقتها العدوانية ، و عرفها الجميع بأنها دولة قائمة على سلب الحقوق الفلسطينية ، و تعرّت أمام المجتمع الأوروبي .
و لعلّ السبب في ذلك يعود إلى الحراك المنظّم و الأنشطة السياسية و الفعاليات التي ينظّمها أفراد الجاليات الفلسطينية في أوروبا ، و التي لفتت الانتباه إلى الهمّ الفلسطيني ، و جعلت الأوروبيين يُحدِثون تغييراً في موقفهم من الصراع العربي الإسرائيلي ، لا سيما عندما راحت إسرائيل و في كل مرة تستخدم القوة المفرطة ضد الفلسطينيين العُزّل الذين يطالبون بأدنى الحقوق ..
فعلى سبيل المثال ، و عندما نظّمت الجالية الفلسطينية في هولندا بالتعاون مع مؤسسة (روتردام من أجل غزة) سبعينية النكبة في شهر أيار مايو الفائت ، شارك ناشطون هولنديون في مراسم إحياء تلك السبعينية ، بالإضافة إلى الحضور الإعلامي الهولندي الذي غطّى تلك الفعالية ، و قام بنقل الحدث بالصوت و الصورة إلى المجتمع الهولندي ..
و كذلك الأمر ذاته كان قد تكرّر عندما خرجَ الفلسطينيون المقيمون في هولندا في مسيرة عارمة جابت شوارع العاصمة أمستردام ، ليعبّروا عن تضامنهم مع مسيرات العودة في قطاع غزة ، و يفضحوا إسرائيل أمام الهولنديين ، و بالتالي فإنّ تلك المسيرة شهدت مشاركة واسعة من قبل المواطنين الهولنديين الذين انضموا إلى الصوت الفلسطيني المطالب بالعدالة و استعادة الحقوق المسلوبة ، و قد ارتدوا الوشاحات الفلسطينية و رفعوا الأعلام الفلسطينية ، في مشهدٍ مهيب أزعج أنصار إسرائيل الذين ما راقَ لهم المشهد ..
هذا و إنّ أنشطة الجاليات الفلسطينية في القارة الأوروبية أصبحت مصدر قلقٍ للمدافعين عن الغطرسة الإسرائيلية ، إذ أصبحوا يتابعونها بقلقٍ بالغ ، بعدما تزايدت شعبية فلسطين في الأوساط الأوروبية ..
ففي شهر نيسان من العام الفائت 2017م ، و قُبيل انعقاد المؤتمر الخامس عشر لفلسطينيّي أوروبا في مدينة روتردام الهولندية ، عاش أنصار اللوبي الإسرائيلي شهراً قاسياً ، و وقفوا مستنفرين على أرجلهم لمدة شهرٍ كامل ، في محاولة فاشلة منهم لتعطيل المؤتمر ، أو تعكير أجوائه ، أو التقليل من أهميته ، لِيُعقد المؤتمر رغماً عن أنوفهم ، و بحضور هولندي واسع إعلامياً و سياسياً ، إذ شارك فيه البرلماني الهولندي توناهان كوزو الذي رفض مصافحة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أثناء الزيارة التي قام بها الأخير إلى هولندا عام 2016م .
و ممّا يجدر الإشارة إليه أيضاً هو أنّ تطورات هذا الأمر وصلت إلى قُبة البرلمان الأوروبي و لم تقتصر فقط على الأنشطة و الفعاليات ، فالحق الفلسطيني كثيراً ما كان حاضراً في الأروقة السياسية ، ففي شهر نيسان أبريل الماضي ، شدّد البرلمان الأوروبي على ضرورة الإنهاء الفوري وغير المشروط للحصار المفروض على قطاع غزة ، مُدينًا عمليات قتل الاحتلال الإسرائيلي للمتظاهرين الفلسطينيين على حدود قطاع غزة ، بعدما مرّر البرلمان في جلسته آنذاك قرارًا بأغلبية 524 صوتًا (نحو 70% من أعضاء البرلمان الأوروبي) مقابل 30 صوتًا ، لإجراء تحقيقات مستقلة وشفافة في قتل المتظاهرين السلميين المشاركين في مسيرة العودة الكبرى ، و شدّد القرار على حق الفلسطينيين في الاحتجاج السلمي الذي يطالبون من خلاله بحقوقهم الأساسية ..
و أخيراً يمكن القول إنّ الأيام المقبلة ستشهد تطوراتٍ جديدة في الموقف الأوروبي من القضية الفلسطينية، و ذلك بعد ازدياد عدد اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في أوروبا، و الذين سيحصلون على الجنسية الأوروبية، لينخرطوا بعدها في المجتمع الأوروبي، و يقدّموا القضية الفلسطينية بما يليق بحجمها و حجم شعبها .