نتائج الانتخابات السويدية.. مسمار جديد في نعش الديمقراطيات الأوروبية
الكاتب / وسام أبو الهيجاء – صحفي وباحث في الشأن الأوروبي
مدونات الجزيرة
حقق الديمقراطيون السويديون ـ الحزب اليميني الشعبوي ذو الجذور النازية ـ نتائج غير مسبوقة في الانتخابات البرلمانية، وتمكنوا من زيادة عدد مقاعدهم في البرلمان على حساب الأحزاب التقليدية، ليتحول ديمقراطيو السويد من حركة شعبوية إحتجاجية ضد المهاجرين والأقلية المسلمة وضد التنوع الثقافي في السويد، إلى حزب سياسي ذو حضور برلماني يتحكم بمصير البلاد على الصعيدين الداخلي والخارجي، ويضعون مستقبل السويد والقارة الأوروبية برمتها أمام مصير مجهول في حال تمكنهم من تشكيل الحكومة القادمة وتنفيذ برامجهم الانتخابية.
تحتل السويد موقعا ًجيوسياسيا ًمهماً، فهي قلب اسكندنافيا النابض والشريك الفاعل لحلف شمال الأطلسي والعضو في الإتحاد الأوروبي وحامية البوابة الشمالية للقارة الأوروبية من التهديدات الروسية ـ وهو الدور الذي قامت به خلال الحرب الباردة ـ وثاني أكثر البلدان الأوروبية إستقبالا للاجئين، وتحتفظ بعملتها المحلية “الكرون” وبنظام مصرفي مستقل بعيدا ًعن نظام الوحدة النقدية الأوروبية رغم إلتزامها بالشراكة المالية والتجارية والإقتصادية مع دول الإتحاد الأوروبي، وهي إحدى الدول الصناعية الكبرى في القارة، تتشارك مع العديد من الدول الأوروبية في الصناعات الثقيلة وتقنيات الإتصالات والمعلومات بمعدلات تفوق ما تملكه بريطانيا من صناعات مشتركة مع دول الإتحاد الأوروبي مجتمعة.
لا يتقصر خطر الجماعات اليمينية المتطرفة على الصعيد الداخلي، بل يتعدى تأثير نزعاتها القومية وتوجهاتها النازية إلى العلاقات العابرة للأطلسي، فهي لا تؤمن بالعولمة وتصنفها إلى جانب عضوية السويد في الإتحاد الأوروبي على أنها غزوا ًثقافيا ًواقتصاديا ًلبلدهم، ونظام مغتصب للقرار الوطني المستقل نظرا ًلخضوع التشريعات والقوانين المحلية لمعايير الإتحاد الأوروبي وامتثال الحكومة للقرارات الصادرة عن رئاسة وبرلمان الإتحاد الأوروبي على حساب المصلحة الوطنية وفق رؤيتهم، وعلى الصعيد المحلي وبسبب خلفيتها النازية، تهيمن فكرة التعصب للجنس الآري على الحركات والأحزاب اليمينية المتطرفة في السويد وترتبط إرتباطا ًوثيقا ًمع باقي الحركات النازية في أوروبا في الرؤى والتوجهات وجماعات العنف المنظم، وهو ما يفسر نصب تلك الجماعات والأحزاب العداء للمهاجرين والأقليات الدينية والعرقية في السويد، حيث استطاعت تلك الأحزاب من تأليب الرأي العام السويدي مستغلة حالة السخط الشعبي من موجات الهجرة واللجوء المتعاقبة وربطها بارتفاع معدلات البطالة والجريمة المنظمة وتردي الخدمات الاجتماعية.
داخليا ً، يخشى أن تؤدي المتغيرات الجديدة في البرلمان والحكومة السويدية القادمة إلى إحداث خلل في التوازنات الإجتماعية في حال إقدامهم على تقليص الخدمات الصحية والإجتماعية المقدمة إلى الفئات الفقيرة داخل المجتمع السويدي، وهي تستهدف بذلك مجتمع اللاجئين والمهاجرين والأقلية المسلمة، حيث يعتمد غالبيتهم على تلك المساعدات لتأمين معيشتهم ودفع إيجرات منازلهم في الأحياء الفقيرة التي تعاني بالأساس من أزمات إجتماعية وثقافية وأمنية، وهو ما سيؤدي إلى زيادة الهوة بين تلك المجتمعات وبين محيطها السويدي، وانعدام فرص مشاركتهم في برامج الإندماج الحكومية وثقتهم بجدوى المشاركة السياسية وارتفاع معدلات الفقر والجريمة المنظمة، كما يولي ديقراطيو السويد تحصين بلادهم من موجات اللجوء والهجرة المستمرة أولوية قصوى، فتسريع وتيرة التسفير وإنهاء ثقافة الترحيب باللاجئين والمهاجرين واعتبار المواطنين السويديين من ذوي الأصول المهاجرة مواطنون من الدرجة الثانية هي من أهم الركائز التي اعتمد عليها ديمقراطيو السويد في حملاتهم الانتخابية وتصريحاتهم العنصرية.
وعلى الصعيد الخارجي، تتعالى الأصوات المنادية في داخل الحزب اليميني الشعبوي المتطرف “ديمقراطيو السويد” بإجراء استفتاء على بقاء السويد في الإتحاد الأوروبي على غرار ما جرى في بريطانيا، وعلى الرغم من عدم وجود أرقام وإحصاءات حول مدى إمكانية نجاحهم في إنهاء عضوية السويد في الإتحاد الأوروبي، إلا أن النجاح المفاجئ لليمين الشعبوي المتطرف في بريطانيا فيما بات يعرف باستفتاء “بركسيت” ما زال حاضرا ً في الأذهان، وفي حال تمكنهم من إنهاء عضوية السويد في الإتحاد الأوروبي، سيكون من الصعوبة في مكان التخمين بمدى قدرة الإتحاد الأوروبي على الإستمرار بمنظومته الحالية.
أمنيا ًوعسكريا ً، حافظت السويد على منظومتها الأمنية والدفاعية بعيدا ًعن حلف شمال الأطلسي على مدار العقود الماضية، وحصنت إلتزاماتها الدفاعية تجاه تلك الدول بقانون برلماني عام 2009 يعطي الحق للسويد بالتدخل العسكري في حال تعرض تلك الدول إلى تهديد أو هجوم، إلا أن المعارضة وفي مقدمتها ديمقراطيو السويد يرون في دخول بلادهم إلى حلف شمال الأطلسي ضمانا ًلأمن وسلامة السويد من التهديدات المحتملة، وفي حال حصول السويد على عضوية حلف شمال الأطلسي، ستفقد السويد حيادتها المعهودة في الأزمات الدولية، وستجد نفسها مضطرة لمواجهة الخطر الروسي في بحر الشمال.
عزوف فئات كثيرة من المجتمع في السويد وغيرها عن التوجه إلى صناديق الإقتراع هو ما أوصل تلك الأحزاب المتطرفة إلى البرلمانات والحكومات في أوروبا
موجة اليمينية الشعبوية التي اجتاحت أوروبا في السنوات القليلة الماضية، ألحقت ضرراً كبيرا ًفي جوهر النظام الديمقراطي في الدول الأوروبية، فالديمقراطية تعنى بالأساس بسيادة الشعب وآليات تطبيقها تعتمد على المشاركة وليس الإقصاء، فإذا تحولت آليات الأنظمة الديمقراطية إلى سلم لإرتقاء التيارات المتطرفة إلى البرلمانات والحكومات، ستخضع الشعوب الأوروبية إلى أنظمة عنصرية بنعزات نازية وفاشية تعادي منظومة القيم الإجتماعية والإنسانية والأخلاقية التي قامت عليها أنظمة الحكم في الدول الأوروبية.
علاوة على ذلك، فعزوف فئات كثيرة من المجتمع في السويد وغيرها عن التوجه إلى صناديق الإقتراع هو ما أوصل تلك الأحزاب المتطرفة إلى البرلمانات والحكومات في أوروبا، وبسبب التداعيات الخطيرة المترتبة على وصول الأحزاب الشعبوية إلى الحكم على الصعيد اداخلي والإقليمي والدولي، بات ملحا ًأن تقوم الدول بتحصين جوهر نظامها الديمقراطي بمجموعة من الضوابط والمحددات للمشاركة في الحياة السياسية، وإخضاع معاييرالمشاركة السياسية للأحزاب والتيارات المختلفة إلى منظومة القيم التي تأسست عليها المجتمعات والتشريعات والقوانين في أوروبا، قبل أن تدق الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا مسمارها الأخير في نعش الديمقراطية.