مؤتمر القدس الأوروبي الأول و وقفةٌ مع أهميّته

بقلم : عبدالسلام فايز

تنادت مؤسساتٌ فلسطينيّةٌ فاعلة في القارة الأوروبية ، لعقد مؤتمر القدس الأوروبي الأول الذي سوف يلتئم في التاسع و العشرين من شهر تشرين الأول أكتوبر الجاري في مدينة ميلانو الإيطالية ، تحت شعار القدس لنا ، و ذلك بدعوةٍ عاجلة من مؤتمر فلسطينيّي أوروبا و التجمع الفلسطيني في إيطاليا ، و قد أفادَ القائمون على هذا المؤتمر بأنّ التحضيرات على أشدّها ، و هي جارية على قدمٍ و ساق من أجل وضع ملف القدس على طاولة الأوروبيّين ، لعلّ ذلك يساهم في نقل معاناة المقدسيين إلى المجتمع الأوروبي ، و ضرورة الخروج بصيغةٍ جامعة موحّدة في ظل التزايد الملحوظ في الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على القدس و المقدّسات الإسلامية و المسيحية أمام مرأى العالم أجمع ، ممّا لا يدع مجالاً للشكّ أبداً ..
إنّ مؤتمر القدس الأوروبي الأول يكتسب أهميّةً كبرى تجعله أسمى من أن يكون صرخةً في واد ، و هو يتجاوز مصاعب الجغرافية لكي يكون كلمةً صُلبةً لا تقبل الطيّ و النسيان ، و ذلك من خلال النقاط التالية :

أولاً : إنّ توقيت انعقاد المؤتمر يُثبت تماماً أنّ فلسطينيي أوروبا جزءٌ لا يتجزأ من القضية الفلسطينية ، لا يمكن تهميش دورهم أو تجاهلهم ، و هم يتحرّكون على الدوام وفق الأنظمة و الضوابط الأوروبية كي يقولوا كلمتهم و ينقلوا معاناة أشقائهم في الداخل الفلسطيني ، و لأنّ القدس على سُلّم أولوياتهم ، و لأنّ القدس تتعرض اليوم لحملةٍ إسرائيليةٍ واسعة النطاق ، فقد ارتأى فلسطينيو أوروبا أن يعقدوا هذا المؤتمر الجامع ، من أجلِ إيصال رسالتهم الوطنية التي يقولون فيها : القدسُ لنا ، و كل القوانين و القرارات التي أصدرها مجلس الأمن و الأمم المتحدة تفيد بصحة هذا الشعار المُدوّي الذي يتوشّح به مؤتمرهم القادم ، و إنّ الاحتلال الإسرائيلي باعتداءاته على القدس و المسجد الأقصى و أهالي حي الشيخ جراح ، و الإخوة المسيحيين داخل فلسطين ، يُثبت أنّه لا يقيم أي اعتبار للمجتمع الدولي الذي وجّه له نداءاتٍ متعددة بضرورة الكف عن سياساته العدوانية على الشعب الفلسطيني الأعزل ، و إنه بإصراره على انتهاج العنف ، يزيدُنا إصراراً على التمسك بحقوقنا و ثوابتنا الوطنية و عاصمتنا الأبدية التي لن نتنازلَ عنها على الإطلاق ..

ثانياً : يستضيف المؤتمر نخبةً من الشخصيات السياسية و الإعلامية و الدينية ، من القدس و الشتات الفلسطيني ، و العالم الإسلامي ، و أوروبا و الأمريكيّتين ، و هذا يدل أنّ قضية القدس ليست شأناً فلسطينياً فحسب ، بل هي أيضاً شأنُ الإنسانيةِ بالدرجة الأولى ، و شأنُ كُلّ حُرٍّ يتمتّعُ بقسطٍ وفيرٍ من العدالة و الضمير الحي الذي يتطلب من صاحبه إنصافَ المقدسيين الذين يعانون من ويلات الاحتلال ..
إنّ هذا التنوّع في ضيوف المؤتمر يوسّع نطاق الانفتاح على حقوقنا المشروعة ، و يجعل من ملف القدس شأناً أوروبياً عالمياً ، و يُضفي الطابع الأوروبي على قضيةٍ عادلة ، أصحابُها يتعرضون للتهجير المُمنهج و الضرب المبرح أمام عدسات الكاميرات التي وثّقت حجم الاعتداءات العنصرية المقيتة ضد المقدسيين ، و يواجهون بصدورهم العارية جيشاً عرمرماً قد أوغلَ فيهم قتلاً و تهجيرا ..

ثالثاً : إنّ وجود شخصيات مقدسية في قاعة مؤتمر القدس الأوروبي الأول ، يُعتبر مهماً للغاية ، لأنّ هؤلاء الضيوف الكرام سوف يكونون بمثابة شهود عيان قادمين من أرض الحدث ، كي ينقلوا الصورة عن قرب ، و نعيش معهم لحظاتٍ حقيقيةً قادمةً من القدس التي نشتاق إليها ، و سوف يُدلون بشهاداتهم أمام الضيوف و الحضور ، كي يُصغَى إلى ما تتعرض له القدس من قبل جيش الاحتلال ، و تكون المسؤولية الملقاة على عاتقنا مسؤولية حقيقية ، فالشهود ليسوا شهودَ زورٍ أو باطلٍ أبداً ، بل هم ذاتهم الذين تعرّضوا للاعتداءات الإسرائيلية ، و هم ذاتهم من عاش لحظاتِ العنجهية الإسرائيلية ، و هم ذاتهم من سوف ينقل الصورة ..

رابعاً : يتزامنُ مؤتمر القدس الأوروبي الأول ، مع مؤتمر لم الشمل من أجل تحقيق المصالحة الفلسطينية ، الذي انعقد مؤخراً في الجزائر الشقيقة التي عوّدتنا على وقوفها إلى جانبِ جراحاتِ الشعب الفلسطيني ، و لعلّ الانقسام المؤقت الحاصل ضمن البيت الفلسطيني هو أكبر خدمة مجانية للاحتلال ، و لهذا سوف يكون مؤتمر القدس فرصةً ذهبيةً لتعزيز مُخرَجاتِ اتفاق الجزائر ، و التأكيد على الوحدة الوطنية بين كافة مكوّنات الشعب الفلسطيني ، لأنها سبيلنا الوحيد لإنقاذ القدس و الالتفاف حول معاناتها و معاناةِ سُكّانها ، و إلّا سوف نكون خارج الحسابات إذاما استمرّ الانقسام و طالَ أمده ..

نعم .. يُعوّل على هذا المؤتمرِ كثيراً ، لأنه أولُ تَحَرُّكٍ بهذا الحجم منذ اندلاع الاعتداءات ، و أوّلُ لقاءٍ واسعِ النطاق يحملُ اسمَ القدسِ في عنوانه العريض ، و أوّلُ سعيٍ حقيقيٍّ لإنقاذ القدس من محاولاتِ طمسِ المعالم و الهوية ، فالمشاركون قادمون من جغرافية واسعة ، و كُلٌّ منهم قد وضعَ القدسَ نصبَ عينيه ، على أملِ العودة إلى فلسطين ، أرضِ الآباء و الأجداد ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى