اشتباك انتخابي : راس براس ! – لينا أبو بكر
بقلم / لينا أبو بكر
هذه ليست حيل الغيلان بل هي أشد وأبلى حتى من كيد النسوان ، لأنه يفترض بالعملية الانتخابية أن تشكل جراحة عاجلة لإنقاذ الحالة الفلسطينية من التكلس الفصائلي الذي أدى إلى أكثر من ذبحة وطنية وفشل للحوار الوطني ، ولكن ما يجرى على الأرض يعرقل الانتخابات و يجعل منها مشكلة بدل أن تكون هي الحل ، فمن المسؤول عن هذا الخلل الأدائي والاضطراب الإجرائي للعملية !
تقلق حماس و بقية الفصائل في غزة من نوايا عباس ، بينما يكرس عباس التسلسل الانتخابي الذي يبدأ بالتشريعي ويلحقه الرئاسي كورقة ضغط ليس من أجل المضي قدما بالانتخابات بل لخلق فجوة انقسامية تجمد العملية مجددا ، وهذا هو المبدأ العباسي الذي تقوم عليه كل العملية السياسية في فلسطين ، فالبحث عن مخرج ليس إلا تمويه وتضليل يقوم به عباس لإيهام الإعلام والشعب والقوى الدولية بمساعيه لفض الاشباك الفصائلي في فلسطين ، في حين أنه يستغل هذا المخرج ليس من أجل إنقاذ العملية بل من أجل إغراقها أكثر بمزيد من الوحل الانقسامي ،و التشظي الوطني وهذا بحد ذاته منهج أخطر بكثير من الانقسام نفسه لأنه يحول جميع الحلول المقترحة والممكنة إلى مشاكل عنقودية ، واضعا الحالة الفلسطينية أمام فوهة مغلقة وكظيمة كنافورة جمرات محتقنة ، فمن يوقف عباس !
هذا الأحماء المفتعل والمطاطي للانتخابات ما هو إلا استهلاك مجاني للطاقة والحماس الشعبي للقفز من فوق المرحلة الشائكة ، دون أن يتحول إلى فعل ديناميكي حقيقي يعين الجميع على تجاوز الصافرة والتحرر من منطقة العد التنازلي للبدء بما لا يمكن البدء به ، وهي استيراتيجية رخيصة لأنها تفرغ الطاقات الوطنية في مجال وهمي ، و معارك مبتذلة تشغل وتلهي المقاومة عن حربها العظمى مع الاحتلال فلا تبقي لدى الفصائل همة سوى للانشغال بهموم استفزازية لا تخدم فلسطين بل تخطفها نضالها النضال في سبيل الحرية لتسجنها في بوتقة المهاترات الفصائلية ، ولا غرابة فهذه هي حروب عباس ، رديئة و واطئة لا قيمة لها ولا هدف نبيلا سوى خلخلة البنيان و معاقبة الفلسطينيين على صمودهم وتبديد عزائمهم و تشتيت أفكارهم بخصومات مرهقة ومعطلة لا يستفيد منها سوى الاحتلال الصهيوني !
حين يكون السلام مع المحتل هو اليوتوبيا العباسية التي تفرشها شلة نادي أوسلو بالورد وتعبد لها الطريق إلى الله بكل ما أوتيت من صوامع و قباب وأجراس ، بينما تعجز عن فتح شق بسيط في جدارية الانقسام التي أصبحت تشكل أبارتهايد فصائليا ، فهذا يعني أن الرئيس لم ينجح في أهم مهمة وطنية : الوحدة ، بينما يبدع كبهلوان في تذليل الصعاب للأعداء الذين يستخفون به ويرفضون ليس فقط التحالف معه بل أيضا اعتباره عدوا يليق بهم ، لقد فقد عباس شرف العداوة قبل أن يفتقد إلى طمأنينة المحالفة ، فبماذا يلزمنا هذا الرئيس إذن ؟
إنها ثقافة ” اللفلفة ” في المحفل العباسي ، التي تخوض الانتخابات الرئاسية لتغطي على لعبة التزكية ، و الخلافة المخطوفة ،و أما مسألة المبعوث فهي لعبة أخرى ، لأن الوسيط هو الحل الذي وجد ليُعقد لا ليحل ، والدليل هو دعوة عباس للجهات الدولية للإشراف على الانتخابات وتحميل أي جهة معطلة – مسبقا المسوؤلية الكاملة – في مناشدة احترازية و تحريضية ضد الفصائل الفلسطينية المعارضة أكثر من حرصه وإصراره على إجراء الانتخابات في القدس التي تظهر كعارض جانبي أو دغدغة خفيفة أو ربما فاصل إعلاني باهت !
ماذا تفعل الفصائل المعارضة إذن ؟ هل تقبل بالمشكلة مثلا لكي تفوت على عباس التفريط بالحل ! هل تخاف حماس من الاشتباك الانتخابي لأنها لا تثق بأطروحة عباس المشروطة ، أم لأنها تعول على انحياز الشعب الفلسطيني للمقاومة حتى وإن وصلت الأوضاع المعيشية في غزة إلى أدنى مستوياتها التي تتجاوز المعايير والمواصفات الإنسانية !
أم أن الأطراف جميعها تعلم أن الانتخابات لم تعد تهم الشعب بعد ، وأن فلسطينيي الشتات والمهجر الذين يتم عزلهم واستثناؤهم و حرمانهم من حقهم بالمشاركة والتفاعل مع هذا الحراك الوطني ، قد يغيرون المشهد تماما و يسقطون الأصنام التي لم تزل تتربع على عرش الفساد و الحرمنة وتحرس مغارة السماء بفريق اللصوص و درك العالم السفلي للإحم إحمْ !
إن عدم الاعتراف بالصوت الفلسطيني في المهجر وعدم تفعيله ما هو إلا تكريس لجريمة التهجير القسري التي ارتكبها الصهاينة ويضاعف من ارتكابها أعوانهم الذين يشيدون البرزخ التفاعلي بين الفلسطينين في الداخل و في الشتات ، وهذه جريمة ليست نفسية فقط ولا وطنية بل هي جريمة ضد الحرية وضد العودة ، لأنها تطبق فعليا عملية السلخ الزمني عن الارتداد التاريخي والامتداد الحقوقي لفلسطينيي الشتات !
بدك الصراحة أيها الفلسطيني أو ابنة عمها ؟ فلسطين لم تعد تريد لا الحرب ولا السلام ، ولا الانتخابات ولا الوحدة ، ولم يعد يهم أن يصبح عندنا اليوم بندقية أو صندوق اقتراع أو اتفاقية سلام ، ولا حتى سجلات مدنية مدمرة أو مزورة ، ولا معابر ولا حدود ولا أدوية ولا معدات ولا كهرباء ولا ماء ولا منافذ بحرية ولا سلع ولا محروقات ولا ضريبة حرب على طريقة ” بنجامين فرانكلين ” ولا طاعون كي نحيي الصلوات على طريقة القارة العجوز في عصور الظلام ولا نريد أن نتعلم الجغرافيا بالحرب على طريقة الأمريكان ، ولا بالسلام على طريقة الزعران ، فكلاهما أصبحا كالجعة في متناول الفقراء والمتسولين والمشردين والمجانين والمساطيل فماذا بعد ؟
بصراحة ـ نحن نحتاج إلى ذكاء الشهداء ، هذا فقط ما يلزم فلسطين الآن ، لأن العملية الانتخابية تبدو فخا أكثر منها طوق نجاة ، في ظل هذا الانشطار الانقسامي الجديد ، الذي حتما سيرفع عباس درجات ولكن بحبل مشنقة ، ولا بد أن تتمتع الفصائل المعارضة بهدوء أعصاب وحنكة واعية ، لأن مصالحة العدو أسهل بكثير من محاربة الخائن ، وعلى المقاومة أن تترفع و تعف عن التماهي مع أحابيل المفسدين في الأرض ، لان الانتخابات في ظل هذا التعنت تصبح عبئا فائضا ، والأهم منها الالتفات إلى تعويض الشعب الفلسطيني عن سنوات الجمر التي عوقب فيها الفلسطينيون بأرزاقهم قبل أعناقهم ،فهناك فرق بين الحرمان والفقر الذي يشرف كبرياء أبطاله ، وبين الشلل العام الذي يهلك المرء بالعجز و القنوط ، وهو أخطر ما يمكن أن يصيب المقاومة في مقتل !
هذه ليست حربا شريفة ، ولكن على المقاومة أن تخوضها بشرف فليس لها خيار آخر … واما الانتخابات فلا نريد لها أن تكون اشتباكا جديدا وراس براس ، نريد صحوة وطنية لا انتخابية ، وسلامتكم !